الجمعة، 11 سبتمبر 2015

في سوسيولوجيا المجتمع الرقمي


لم يرفع الفكر العربي المعاصر معرفيا من شأن فكرة الاتصال، ليظهر علينا الاتصال الرقمي مع بداية الألفية دون سلاح معرفي نحتمي به. ولاتكمن قيمة الاتصال في ما في الفكرة من قيمة علمية أو سياسية أي ما في الإنتاج الفكري من صحة أو خطأ بل في التسويق لها، حسب المفهوم الحديث للمعرفة لتداول مضامينها ليترك الحكم للمجتمع وحده وهل به المناعة الثقافية الكافية “لغربلة” المضامين قبل الحكم على الوعاء. أن الحكم القيمي على الأفكار هو حكم قيمي على التقنية أيضا التي لا يجب أن نحد من انتشارها وإلا ستنمو سوقا سوداء لأفكار متطرفة، وإرهابية. وتاريخيا لا يمكن أن نتجاهل أن الحكم القيمي ذو الخلفية الدينية أو السياسية أو الثقافية هو الذي كان وراء إقصاء أكثر من فكرة داخل المجتمعات العربية باسم الدين أو الهوية أو معاداة الاستعمار أو الإمبريالية(1).
إن التلاقح الحضاري الذي ولّده انتقال المعلومة عبر الانترنت قد رسخ قيم وثقافة البلد المصدِّر للمعلومة والتكنولوجية في آن واحد، وينشأ عن هذه الحتمية التكنولوجية حالة ما يسمى بالصدمة الالكترونية التي سرعان ما تتحول بالبلدان المستوردة من الانبهار بالواقع الافتراضي إلى الاصطدام بالواقع الحقيقي للبلد المصدِّر. ولعل من بين الأسباب القوية للتفاوت الرقمي بين دول الشمال والجنوب يحتل عامل الأمية المسؤولية واسهم في اتساع الهوة الرقمية.
وايضاً عربيا يعود سبب تعطل آلة التسويق لتبادل الأفكار إلى عنصرين متلازمين يمكن تلخيصهما في إشكالية وعي الحرية وإدراك التقنية وهي معضلة فكرية إجرائية في كيف يمكن أن نفهم أن لا قيمة للفكرة مهما كانت طبيعتها إلا إذا شاعت بين الناس. وحتى يمكن بلوغ ذلك فلا بد أن تكون حركة الوسائط الحاملة للأفكار“التقنية” شائعة الملكية وتحررية من حيث المضمون. إن تخلف الديمقراطية وممارستها في الوطن العربي لا يعود فقط إلى حصرها في بوتقة الشعار السياسي بل إن التخلف الديمقراطي يعود أيضا إلى تخلف في فهم أوعية الديمقراطية ووسائطها في الفكر العربي. ويؤدي هذا الرفض إلى نبذ انتشار الفكر وشيوعه وتداوله لأن التداول على السلطة وهو العمود الفقري للديمقراطية بالمفهوم الحديث ما هو إلا تداول على أفكار وتصورات ومناهج في كيف ندير الشأن العام بعد أن يقول الشعب كلمته في من ينوبه عبر الاقتراع. ولا قيمة للاقتراع الذي يضفي إلى تداول السلطات والرؤساء والبرلمانات والحكومات إذا لم تتوفر معركة فكرية عادلة على واجهة وسائل الإعلام التي هي الفيصل في تقريب صورة كل طرف سياسي إلى المواطن مهما كانت خلفيته الثقافية عن مشكلات الشأن العام(2). وإن إعلاما واتصالا لا يسهم في تحديد أوليات المجتمع السياسية والثقافية والاقتصادية لا يمكنه أن يكون فاعلا في أي مشروع يسعى لتداول سلمي على السلطة كنتيجة حتمية لتداول أهم التصورات حول كيف ندير الشأن العام بالاعتماد على الرأي العام الذي تسهم وسائل الإعلام الحرة في بلورته بشكل محايد وموضوعي بعيدا عن أي توظيف اقتصادي أو سياسي.
في النهاية فإن المجتمعات-سوسيولوجيا-تعدّ ظاهرة على قدر كبير من التعقيد حتى نجزم أنه من السهل أن تأتى نماذج سياسية أو اقتصادية أو فكرية قادرة بكل بساطة وبالاعتماد على التقنية الذكية للاتصالات على إحداث تغيير وبشكل جذري في بنية المجتمعات انطلاقا فقط من كونها تقنية فعالة حتى وإن كانت هذه التقنية في مجال الإعلام. إن بين الظاهر تقنيا في الاتصال اليوم والنتيجة الاجتماعية غدا تظهر اختلافات قد تصل في بعض الأحيان إلى التناقض. إن حركة المنظمات المهنية والجمعيات الأهلية والمجتمع المدني والفرد وهي ما يمكن أن نطلق عليها بالفعل السوسيولوجي عنصر فعال ومحدد أساس في مسيرة التقنية الاتصالية في علاقتها بالموروث الإعلامي(1).
ويمكننا القول أيضا بأن هذه الشبكات قد اسهمت في رفع مستوى الوعي لدى الشعوب، وتأكدها من أنها هي مصدر الشرعية، تمنحها لمن تشاء وتزيحها متى بدا لها ذلك. وأن هذه الشبكات قد أفرزت قيما جديدة, لعل أهمها بالمطلق القبول بالآخر في تنوعه واختلافه وتباينه, مادامت المطالب موحدة والمصير مشترك. ويمكننا القول بالمحصلة، إن هذه الشبكات أبانت بأن ثمة شعوبا حية ويقظة, حتى وإن خضعت لعقود من الظلم والاستبداد.
وتوصلت الباحثة الى نتائج عدة:
1- مواقع التواصل الاجتماعي وسائل يستخدمها من يشاء، لنشر الأخبار والآراء بشكل مكتوب أو مسموع أو مرئي، "متعدد الوسائط.
2- استخدم الشباب شبكات التواصل الإجتماعي للدردشة ولتفريغ الشحن العاطفية، ومن ثم أصبح الشباب يتبادلون وجهات النظر الثقافية والأدبية والسياسية.
3- عدّ مواقع التواصل الاجتماعي إعلاماً بديلاً: ويقصد به “الموقع الذي يمارس فيه النقد”.
4- لا تمثل مواقع التواصل الاجتماعي العامل الأساس للتغيير في المجتمع، لكنها اصبحت عامل مهم في تهيئة متطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي.
5- اصبحت تتشكل بفضل شبكة الإنترنت فضاءات تواصلية عدة هي بمثابة أمكنة إفتراضية، وإن من بين مزاياها نهاية فوبيا المكان.
6- أنّها فضاءات مفتوحة للتمرّد والثورة – بداية من التمرّد على الخجل والانطواء وانتهاء بالثورة على الأنظمة السياسيّة.
7- يكمن النظر للتغير الاجتماعي برؤية “حتمية” التحول في ثلاثة مسارات. أولهما، ما يعرف “بالحتمية التقنية”، وثانيهما، ما يعرف “بالحتمية الاجتماعية”، ثم الحتمية المعلوماتية.
8- ان المستخدمين يسعون أكثر لكسب رأسمال رمزي من وراء إنخراطهم في هذا الإعلام أكثر من إنخراطهم في تحقيق رأسمال مادي، ويمكن أن تزدهر فيه مبادرات المجتمع المدني.
9- يفتقر الإعلام الجديد الى الوضوح، بالنسبة الى مجاله ومداه، وقد يعني هذا ان اشكال الإعلام الجديد تعكس علم الشك، والنسبية، والفوضى الأوصاف المشتركة للثقافة المعاصرة.
10- تتشكل الاجندة الإعلامية لمواقع التواصل الاجتماعي، عن طريق الأحداث البارزة التي تفرض نفسها.
11- ان التغيير السياسي الحقيقي لم يولد في الانترنت، بل تولد في الشارع، وجاء الاعلام الجديد مكملا له.
12- إن تخلف الديمقراطية وممارستها في الوطن العربي يعود إلى تخلف في فهم أوعية الديمقراطية ووسائطها في الفكر، ويؤدي هذا إلى نبذ انتشار الفكر وشيوعه وتداوله لأن التداول على السلطة ما هو إلا تداول على أفكار وتصورات ومناهج.

مقاربة مواقع التواصل الاجتماعي بالإعلام البديل


يُعدّ التحوّل عبر التطوّر التكنولوجي هوّ جوهر الإعلام، ومايبدو اليوم جديداً يصبح قديماً بظهور تقنية جديدة، ألم يكن الإعلام جديدا مع ظهور الطباعة، والصحافة، والإذاعة، والتلفزيون كلّ ذلك لأن طبيعة التحوّل التي تقود إليها التقنية، في بعدها العلمي والإيديولوجي، تقتضي النّظر في أمر ما يسمّيه ماكلوهان بالحتميّة التكنولوجيّة. اذن مفهوم الاعلام الجديد هو في واقع الامر يمثل مرحلة انتقالية من ناحية الوسائل(2). ويبدو للباحثة مفهوم الاعلام البديل, من الافضل اعتماده Alternative Media اذ يستقي دلالته من جمهوريته، فالجمهور اتخذوا مواقع التواصل الاجتماعي بديلاً عن الوسائل الإعلامية التقليدية: ويقصد بها “الموقع الذي يمارس فيه النقد. وتولد أفكاراً وطرقاً جديدة للتنظيم والتعاون والتدريب بين إفراد المجتمع. وربما الأكثر أهمية، يشير الى أن البديل يتناول الموضوعات الحساسة في الآليات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتوترات بين السيطرة والحرية، وبين العمل والبطالة، وبين المعارضة والحكومة”، “ومن ثم يتضاءل البديل إلى إن يصبح نمطاً، للاتصال الجماهيري”. وينحدر الإعلام البديل من مرجعية عفوية وغير منظمة تأخذ من مبدأ حرية التعبير والإستقلال عن كل الإلتزامات الأيديولوجية أو الإقتصادية القائمة دون أية قيود وهو ما يشير إلى أن الإعلام البديل هو حصيلة مواقف فكرية، تعمل بالإعتماد على قاعدة التشكل الذاتي. وبعيدا عن النظرة القيمية، يجب أن نتعامل مع هذه الظاهرة الإتصالية والإعتراف بها بحثيا وتأطيرها ضمن تحولات المثل الجماعية التى تشقها العديد من الإفرازات ومنتجة لسلطات رمزية خصوصية(1).
أما عند “جمعية النشر البديل” الأمريكية، فإنها تشير إلى معايير ثلاثة يمكن عن طريقها تمييز ما هو بديل عن ما هو سائد ومهيمن من الإعلام(2):
1- يجب أن لا يكون المنشور ذو صبغة تجارية. 2- يجب أن يتجه إلى تقديم عنصر المسؤولية الإجتماعية أي خدمة الصالح العام. 3- على الناشر أن يقدم نفسه بإعتباره ناشرا يعبر عن تيار الإعلام البديل.
عن طريق هذه المعايير في توصيف ما هو إعلام بديل نستشعر أن دعاة هذا التوجه يسعون أكثر لكسب رأسمال رمزي أكثر من إنخراطهم في تحقيق رأسمال مادي. يمكن عن طريق ما تبين إستدراك أن الإعلام البديل يقدم نفسه بشكل مثالي ويتسم بالنقاوة الفكرية والأيديولوجية. وهكذا يمكننا إعتبار أن الإعلام البديل كان وراءه المواطن العادي أو المواطن الذي يحمل بديلا راديكاليا وثوريا كما هو الحال مع المدونات عبارة عن إعلام مضاد للمشهد الإعلامي السائد.
ويسعى الإعلام البديل للتوصل الى حلول سياسية تسمح للشعوب بالتأكيد على تفردها الثقافي. وعلى الرغم من تنوع الآراء في استكشاف قدرته، فان ما يطلق عليه ليدبيتر “التفاؤل المقاتل” مطلوب، لان الابداع يشيع الأمل، ويقوم على التنوع والانفتاح، والاستقلال، والتقدم التراكمي لا الثوري، وليس امامنا الا الأمل في أن المجتمع لم يكتمل بعد، وأنه مازال يتطور ويتغير للافضل. ومن هنا فان مضمون الإعلام البديل هو تجريب “سياسات الأمل”(3).
ويمكن أن تزدهر فيه مبادرات المجتمع المدني، فتعددية الفاعلين وحدها هي التي يمكن أن تختار تنمية ثقافية ديموقراطية وتقديم هويات عدة، وافكار جديدة عن التقدم والتنمية، في فضاءات لم تكن تتلاءم يوما معها، ويمكن ان يكون نتاجا للمقاومة والثقافة المحلية.
وتقول ماكروبي أن “الإعلام البديل سياسة ترغب في تحويل نقاد اجتماعيين وسياسيين غاضبين الى ناجحين”(4).
ويمكن تحديد الاعلام البديل “الاجتماعي” “كنسق فكري وعملي يبحث عن الرقي بالمجتمع كفاعل أو كموضوع للاتّصال”. ويبدو أنّ الاعلام البديل وبشكل ملموس هو الفرصة للمجتمع المدني ليقدّم مكوناته المختلفة، ليتعرفوا بعضهم على بعض وليتحاوروا في ما بينهم، وهو الامكانية المفتوحة لكلّ مواطن للدخول بحرية وبفعالية للاتّصال مع مواطن آخر أو مجموعة أخرى في جوّ من التسامح والاحترام المتبادل"(1).
ويمكن أن تؤول هذه الآلية للاعلام البديل الفعلي الى مستويات عدّة(2):
1- البحث عن التفاعلية الحقيقية، “مشاركة الجمهور في فعل الاتّصال”. 2- نظرة مختلفة أو بديلة للحياة السياسية والثقافية والاجتماعية. 3- أنماط معالجة اعلامية تخرج عن الأمور المطروقة. 4- يُعدّ متلقي الرسالة شريكاً جديراً باللاستقلالية، وليس متلقياً سلبياً. 5- لكلّ محاور الخيار بأن يجيب بطريقة لا تكون معدة سلفاً من قبل المرسل.
ويبدو أن للإعلام البديل مهمة تتمثل في وضع الأفراد المهمّشين والمجموعات في علاقة اتصال في ما بينهم. وايضاً رهاناً استراتيجياً، فهو لا ينفصل عن التنشيط الاجتماعي، إذ إنه في احترام الحرية الشخصية لِكُلّ فرد، فهو لذلك يستهدف تفعيل تجارب الحوار مابين الثقافات والاثنيات التي تتعايش وهي تتصادم وتتجاهل بعضها البعض.
وعلى الرغم من ذلك يفتقر الإعلام الى الوضوح، بالنسبة الى مجاله ومداه، ليس هناك اتفاق على حدود مقبولة، وكما يؤكد امبرتو ايكو: “في كل قرن، تعكس الطريقة التي تقوم عليها الاشكال الاعلامية الطريقة التي يرى بها العلم والثقافة المعاصرة الواقع”. وقد يعني هذا ان اشكال الإعلام الجديد تعكس علم الشك، والنسبية، والفوضى “الأوصاف المشتركة للثقافة المعاصرة”(3).
ويحاول “الاعلام البديل” التركيز على حرية الرأي والتعبير ولكن كفاعل منتصر لا كفاعل منهزم أي كفاعل إيجابي انفلتت أفكاره ومواقفه من سلطة الرقابة، عبر هامش الحرية التي يخلقها هذا الفاعل أو عن طريق مقولة “مجال اللايقين”(4).
ويقود الإعلام البديل ظاهرة إبراز الحقائق، وتتشكل الاجندة الإعلامية، عن طريق الأحداث البارزة التي تفرض نفسها. ولهذا يتوجب من المجتمع المدني بذل جهود كبيرة ليكون جزءاً من الاحداث، فيغري الإعلام ويخيف الحكام، وإعادة الأمور إلى نصابها ليست مستحيلة. وعندما نتحدّث عن الانترنت وعن الثورة الاتصاليّة وعن كيفيّة استثمارها وتوظيفها من قبل مكوّنات المجتمع، فإنّنا نتحدّث بالضرورة عن الصحف الالكترونيّة والمدونات ومواقع الفيس بوك وتويتر واليوتيوب وغيرها من التطبيقات، والتي لم تعدّ تنتظر الحصول على التأشيرة الحكوميّة ولم تعدّ القيود القانونيّة عائقا أمام تحرّكاتها، بل أصبحت تشكّل أهم مجال لتجاوز الخطوط الحمراء. ونظرا لنجاحها وقدرتها على التعبير عن مطالب وتطلّعات الفئات المهمّشة تشهد مواقع التواصل الاجتماعي تزايد في عددها وعدد مستعمليها، وأسهمت في الآونة الأخيرة في جذب الأنظار لعدد من القضايا أثارت الرأي العام وأرغمت حكومات كثيرة في اتخاذ قرارات ضد رغبتها.
وتم ازالة الحدود والصراعات السياسية الكثيرة على يد الإعلام البديل، وأهم إنجاز في الإعلام البديل هو الاهتمام بحق التعبير، مما ادى الى استثارة غضب الكثير من الحكومات العربية، وأصبحت تضع في حساباتها هذه الوسيلة. فتداول الأحداث ذات التوجه السياسي أرغم بعض الحكومات على اتخاذ قرارات أو التراجع عن قرارات بسبب الاحتجاج الجماهيري. ويوجد اصناف لمستعملي، “المتلقين او الجمهور”، الإعلام البديل(1):
الصنف الأوّل: وتمثله الطبقات الشعبيّة المهمشة والذين يستعملون في العادة الإشاعات والنكت الشعبية والسياسيّة كإعلام بديل لها، ولما يوفره لهم من حصانة وعدم المسائلة القانونيّة لأنّ عمليّة تناقل النكت والإشاعات لا تتضمّن اسم منتجيها، فضلاً عن إمكانية تحويرها من متقبّل إلى آخر، ونصبح لا نميّز بين الراوي والمنتج.
الصنف الآخر: وتمثله فئة النخب سواء أكانت منتمية للأحزاب السياسيّة أو لمنظمات المجتمع المدني أو كانت مجرّد شخصيات مستقلّة. ونظرا لامتلاكها المستوى التعليمي والموقع الاجتماعي المتميّز فإنّ إعلامها البديل يكون عادةٍ أكثر تطوّراً وأكثر انسجاماً مع مستحدثات المجتمع الذي يعيشون فيه، لاسيما وأنّهم يشكّلون الركيزة الأساس للمجتمع المدني.
الصنف الثالث، ويتمثل في فئة النخب الشبابيّة المهمّشة أي أصحاب الشهادات وخرّيجي الجامعات. وعرفت شكلين من التهميش، تهميش السلطة لها والمجتمع المدني وذلك لحرمانها من المواقع الاجتماعيّة المرموقة سواء داخل المجتمع أو داخل المجتمع المدني.
وأصبح الحديث عن قضايا الشأن العام لا يستقيم دون تفكيك آليات تشكل المجال الإعلامي، فالتعرض لمشاكل الناس محليا ودوليا هو كلام عن كيف نحاور الأنا والآخر، ولكل شخص الحق في تأسيس اعلامه. “وإن تحولات الإعلام العربي متعددة الأوجه ولاسيما الثقافية والسياسية وعلى أمل أن تتحول تدريجيا إلى هاجس فكري ذي صلة بقضايا تحديث المجتمع وليس فقط الوقوف عند دائرة التوظيف الحيني. إذ اصبح السياسي يفرد أهمية في إدارته للشأن العام لقيمة الإعلام، وكذلك عند فئات مجتمعية أخرى، ويعدّ هذا عنصر حيوي يجعلنا ندخل في حلقة جديدة إسمها تواصل الأفكار بين الناس وصاحب القرار وذلك بغض النظر عن وجاهة أو ضعف تلك الآراء. إن تحويل قضايا الشأن العام إلى هم يومي على واجهة وسائل الإتصال مرحلة مهمة لأي إمكانية للتغيير”. “ويؤدي عرض الأفكار حتماً للتعدد، والتعدد هو طريق التواصل والحوار بين الناس. وأصبحت شيئا فشيئا توجد رغبة ربما تبدو محتشمة لإعلان قضايا خلافية في المجتمع للعموم، وهو مدخل الديمقراطية والجدل الإجتماعي الذي يمكن عن طريقه القيام بالإصلاح والمصالحة بين النظام السياسي ورعاياه من زاوية تواصلية إعلامية، وأننا اليوم وإذا ما أردنا أن نفهم علينا أن لا نكون متفرجين بل أيضا ناقدين”(1).
وبالنسبة للعالم العربي الذي كان ولازال يشكو منذ مدة طويلة من تحيز الإعلام الغربي ضده ومن عدم قدرته على إيصال صورته الحقيقية إلى تلك المجتمعات الغربية فإنه لم يعد أمامه أي عذر يمكن ترديده، فشبكات الإنترنت فتحت المجال أمام الجميع لوضع مايريدونه على الشبكة ليكون متاحاً أمام العالم لرؤيته. المهم أن يكون هناك استعداد حقيقي للإستثمار في هذه الوسيلة والأهم من ذلك استثمارها بالشكل السليم والمناسب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- عبد الغني عماد،((سوسيولوجيا الثقافة- المفاهيم والإشكاليات من الحداثة إلى العولمة))، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية.
 2- مجموعة مؤلفين،((التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية))، بيروت، مؤسسة الفكر العربي، 2008
. جون هارتلي وآخرون،((الصناعات الإبداعية))، ترجمة: بدر السيد سليمان الرفاعي، الكويت، عالم المعرفة، 2007م، ج.1
3- زاهر راضي، “استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي”، مجلة التربية، ع15 ، جامعة عمان الأهلية، عمان، 2003م.
4- د. عباس مصطفى صادق، “الاعلام الجديد: دراسة في مداخله النظرية وخصائصه العامة”، البوابة العربية لعلوم الإعلام والاتصال، 2011م.
5- عباس مصطفى صادق، “الإعلام الجديد: المفاهيم والوسائل والتطبيقات”، عمان، دار الشروق، 2008م.

مواقع التواصل الاجتماعي المكان الافتراضي والزمن الميدياتيكي


أصبحت تتشكل بفضل شبكة الإنترنت فضاءات تواصلية عدة هي بمثابة أمكنة إفتراضية، نتحدث عبر غرف الحوار والدردشة، بدون حدود وبدون تاريخ، ونتعامل مع هذه الفضاءات بعدّها أمكنة، ذات شحنة ثقافية يكون الحوار والتواصل اساسها. ويعدّ المكان الإفتراضي مصطلحا حديث التداول الفكري، “ويقصد به كل ما له صلة بالفضاء التخيلي، بشقه المادي والمتمثل في إبداع سبل جديدة في هندسة تكنلوجيات الإفتراضي وبشقه الإعتباري، يضم أنشطة عالمنا الواقعي المعتاد، أو في إمكانه أن يضمها جميعها ويضم أشياء جديدة أخرى”.
ومن بين مزايا المكان الإفتراضي هو نهاية فوبيا المكان، إن الخوف من المكان دليل على تملكنا لمكان آخر، وعندما ندخل في منظومة المكان الإفتراضي نصبح لا نخشي شيئا بحكم عدم مقدرتنا على تملك الإفتراضي بإعتباره فضاء، لذلك وصفت شبكة الإنترنت كفضاء إفتراضي بأكثر الأمكنة تحررية، وعدم مقدرة أي طرف إمتلاكها(1).
ومن الخصائص البارزة للإنترنت، تتجلّى في قيام نظام الإنترنت، على معادلة زمنيّة تجمع في الوقت ذاته، السّرعة اللّحظيّة، وسرعة الطّواف، وهذا ما عنه البعض بالزّمن العالمي الذي هوّ بمثابة الزّمن العابر “للحدود بين القارّات والمجتمعات واللّغات عبر طرقات الإعلام المتعدّد، التي تنقل الصّور والرّسائل بالسّرعة القصوى من أيّ نقطة في الأرض إلى أيّ نقطة أخرى”، ويقابل هذا الزمن، ما أسماه الدكتور عبد الله الحيدري“بالزّمن الميدياتيكي”، وصورة ذلك هوّ أنّ حياة الفرد اليوم ظلّت متصلة اتصالا لا فكاك منه بوسائل الإعلام والاتصال الإلكترونيّة إلى حدّ تفكّك الرّوابط الحميميّة الأسريّة والاجتماعيّة الأخرى. فالزمن الميدياتيكي هوّ الزمن الذي نحقّقه في صلاتنا المستمرّة مع وسائل الاتصال بوصفنا أفرادا اجتماعيين ولا يعدو أن يكون زمنا وسائطيّا لاعتمادنا، في الإنتاج والتفكير والتواصل والتفاعل، على تقنيات الإعلام والاتصال، ويحتضن ميول الأفراد واتجاهاتهم بوصفهم متابعين، مستهلكين ومنتجين للصّناعات الإعلاميّة المتدفّقة بأقدار لم يشهدها تاريخ صناعة المضامين، كلّ مجتمع ينتج تمثّله للزمن عن طريق الأنشطة التي يقوم بها، في المقابل كل مجتمع تقوده منظومة القيم الميدياتيكيّة إلى بناء تمثّله للزّمن(1).
ويتسم المجتمع الافتراضي بمجموعة من السمات الآتية(2):
1- المرونة وانهيار فكرة الجماعة المرجعيّة بمعناها التقليدي، فالمجتمع الافتراضي لا يتحدّد بالجغرافيا بل الاهتمامات المشتركة التي تجمع معاً اشخاصاً لم يعرف كلٌ منهم الآخر بالضرورة قبل الالتقاء إليكترونياً. 2- لم تعد تلعب حدود الجغرافيا دوراً في تشكيل المجتمعات الافتراضيّة، فهي مجتمعات لا تنام، يستطيع المرء أن يجد من يتواصل معه في المجتمعات الافتراضيّة على مدار الساعة.
3- ومن سماتها وتوابعها أنّها تنتهي إلى عزلة، على ما تعد به من انفتاح على العالم وتواصل مع الآخرين. هذه المفارقة يلخّصها عنوان كتاب لشيري تيركل “نحن معا، لكنّنا وحيدانً/ وحيدون: لماذا أصبحنا ننتظر من التكنولوجيا أكثر مما ينتظر بعضنا من بعض؟”(3). فقد أغنت الرسائل النصيّة القصيرة، وما يكتبون ويتبادلون على الفيسبوك والبلاك بيري عن الزيارات. من هنا لم تعد صورة الأسرة التي تعيش في بيت واحد بينما ينهمك كلّ فرد من أفرادها في عالمه الافتراضي الخاص، لم تعد مجرّد رسم كاريكاتيري، بل حقيقة مقلقة تحتاج مزيدا من الانتباه والاهتمام.
4- لا تقوم المجتمعات الافتراضيّة على الجبر أو الإلزام بل تقوم في مجملها على الاختيار. 5- في المجتمعات الافتراضيّة وسائل تنظيم وتحكّم وقواعد لضمان الخصوصيّة والسريّة، قد يكون مفروضا من قبل القائمين، وقد يمارس الأفراد أنفسهم في تلك المجتمعات الحجب أو التبليغ عن المداخلات والمواد غير اللائقة أو غير المقبولة.
6- أنّها فضاءات رحبة مفتوحة للتمرّد والثورة – بداية من التمرّد على الخجل والانطواء وانتهاء بالثورة على الأنظمة السياسيّة.
7- تتسم المجتمعات الافتراضية بدرجة عالية من اللامركزية وتنتهي بالتدريج إلى تفكيك مفهوم الهويّة التقليدي. ولا يقتصر تفكيك الهويّة على الهويّة الوطنيّة أو القومية بل يتجاوزها إلى الهويّة الشخصية، لأنَّ من يرتادونها في احيان كثيرة بأسماء مستعارة ووجوه ليست وجوههم، وبعضهم له أكثر من حساب(1). جدلية قيم حتمية تقنية الاتصال والمجتمع يكمن النظر للتغير الاجتماعي برؤية “حتمية” التحول في ثلاثة مسارات. أولهما، ما يعرف “بالحتمية التقنية”Technological Determinism . وثانيهما، ما يعرف “بالحتمية الاجتماعية”Social Determinism، وإن لكلا المسارين وجهات نظر تدعم تفسيره، إلا إن التفسير الذي قدمه بعض المفكرين “في اختلاف معدل التغير في كل من الثقافة المادية واللامادية، نتيجة التأثير التقني في المجتمعات يعدّ الأساس في التحليل الاجتماعي لتقنية الاتصال”، مع احتمال “حدوث تصادم بين التغير التقني والتغير الثقافي”، ويترتب عليه خلل وظيفي مما يؤثر في تفكير أفراد المجتمع، وتتوتر القيم والإيديولوجيات السائدة(2).
وتبرز الحتمية الاجتماعية في مقابل الحتمية التقنية على أساس “أنّ القوى الاجتماعية بأنواعها تمتلك زمام تطور التكنولوجيا، وتؤثر في تطويرها وتوجيهها. واشتهر في هذا الاتجاه، الأمريكي لزلي وايت”. وقدم وايت الطرح التالي: “إن النسيج الاجتماعي هو الثقافة المتقدمة بخطى التكنولوجيا، وتبنى المجتمعات البشرية ثقافيا بواسطة المادية التكنولوجية، وتبنى اجتماعيا بفعل التطور الاجتماعي، بمعنى جدلية الاجتماع/ التقنية”(3).
“وتعدّ وسائل الاتصال عنصرا أساسا في المجتمع، لكن النظر إليها على أنها أساس عملية التغير الاجتماعي ينقلها إلى دائرة”الحتمية“، وهذا ما رفضه علم الاجتماع المعاصر. وتؤدي الثقافة اللامادية، كالإيديولوجيات السياسية والاجتماعية إلى تغير واسع في حياة المجتمع، أكثر من تأثير الثقافة المادية في بعدها التكنولوجي، ولكن يصعب قياس هذه التغيرات”التغير المادي واللامادي“، مما أدى إلى إطلاق النظرة النسبية”.
ثم ظهر مفهوم الحتمية المعلوماتية في بداية الألفية الثالثة، إذ “لم يعد يقاس مدى تقدم الدول، على أساس نتاجها القومي، بل: إجمالي نتاجها المعلوماتي القومي”. وأهم المفكرين في هذا، هو سكوت لاش عالم الاجتماع، إذ اهتم بالتغير المعاصر في عصر “ما بعد الحداثة”، ونبه إلى تناقض عصر ما بعد الحداثة، لأنه يفرض على الإنسان صعوبة العيش فيه دون أدواته الاتصالية التي تربطه بالمجتمع. فمثلاً، “لا نستطيع العمل من دون هاتف نقال، أو الحاسوب، ...”، أي أشكال تقنية للحياة الاجتماعية. ويؤكد سكوت لاش “انه تصبح لإشكال الحياة خصائص جديدة عن طريق العمل بالتكنولوجيا، واهم هذه الخصائص: هي أن”تتسطح أشكال الحياة، ويتفاعل كل شيء عن طريق وسائل الاتصال"(1).
ولا يمكن القول إن عوامل التغير يمكن تعليلها بعامل وحيد، إذ يبين الواقع تساند عوامل عدة، “اقتصادية، وتعليمية، وأيدي عاملة، وجغرافية، وتكنولوجيا، وقادة مخلصون، وإعلام مسؤول، وإيديولوجيا موجهة”، تتفاعل هذه العوامل لإحداث التغير. لذلك يصعب تحديد العامل الفاصل في التغير، بشكل ديناميكي عبر الزمن. “ولكن نستطيع القول أن الثقافة فقدت السيطرة على المجال التقني، وتحولت إلى أداة تطوع ما تفرضه هذه التكنولوجيا من متطلبات. ويبرز ذلك في تقليد”الحتمية التقنية“ثم لاحقاً في”الحتمية الإعلامية“”.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-  عبد الغني عماد،((سوسيولوجيا الثقافة- المفاهيم والإشكاليات من الحداثة إلى العولمة))، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية.
 2- مجموعة مؤلفين،((التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية))، بيروت، مؤسسة الفكر العربي، 2008
. جون هارتلي وآخرون،((الصناعات الإبداعية))، ترجمة: بدر السيد سليمان الرفاعي، الكويت، عالم المعرفة، 2007م، ج.1
 3- زاهر راضي، “استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي”، مجلة التربية، ع15 ، جامعة عمان الأهلية، عمان، 2003.





الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي الجزائريين ,, نرجو من سيادتكم تقديم يد المساعدة من خلال ملء الاستبيان المرفق ، ونعلمكم أن بياناتكم ستبقى سرية ولن تستخدم إلا للأغراض العلمية ,, ونرجو منكم مشاركته لأصدفائكم ممن يستخدمون هذه المواقع .



وهذه بعض التعليمات للإجابة على الاستبيان الالكتروني :

1. الاستبيان مخصص للمستخدمين الجزائريين فقط . 
2. اضغط على الرابط التالي :

http://goo.gl/forms/KggkNgVpSl
3. تجدون مجموعة من الأسئلة ، تهمنا إجابتكم عليها ورأيكم فيها (ليس هناك إجابة صحيحة وإجابة خاطئة ، فقط هي بيانات تخص طبيعة استخدامكم لمواقع التواصل الاجتماعي ).
4. بعد الانتهاء من الإجابة تجدون كلمة "ارسال" أو "envoyer" اضغط عليها .
5. نلتمس منكم الصدق في الإجابة على أسئلة الاستبيان خدمة للبحث العلمي .
6. نرجو مساعدتنا بإرساله إلى مستخدمين آخرين ، ونشره على الصفحات ومختلف المجموعات التي تشتركون فيها (مع الحرص أن يجيب عليه فقط المستخدمين الجزائريين)
7. الاستبيان كما هو موضح يخص دراسة علمية وبياناتكم سواء كان حسابكم او اسمكم او أي معلومات خاصة بكم لا تصلنا ، بل يصلنا فقط إجاباتكم على الأسئلة المطروحة.
وفي الأخير ,, نشكركم جزيل الشكر على تعاونكم معنا .